30 May
30May

في البدء كان هو”الحكمة النقية“، هناك منذ الأزل، قديم الأيام القادر الذي يملك كل شيء… وكانت هي”الجميلة“ أجمل مقتنياته وأقربها إلى قلبه وأثمن ما في مملكته، فحبه لها خالد لا يموت ولا يتغير، جمعتهما قصة حب عميقة منذ أن كانت في عقله مجرد فكرة ولكن في قلبه مسرة، ويمر الوقت بينهما في بهجة وفرح تعلمت ”الجميلة“ أن كل شيء يكون جميلا حينما ترى الكون والخليقة بعيون ”الحكمة النقية“، كان يمنحها كل يوم شيئاً قليلا وجديداً أيضًا من الحكمة التي يمتلكها.. بقربه عرفت ”الجميلة“ معنى لكلمتي الحرية والحب أو كما عبرت ”الجميلة“ ذات مرة في حوار لها مع الملك حيث قالت: بقربك عرفت كيف أعيش حرة ومن محبتك لي قد صرت محبوبة... صارت في فرح ايام ليست بقليلة كانت تتمني لو لم تنتهي، وهذه كانت ايضاً في الحقيقة شهوة قلب ”الحكمة النقية“ أن تظل معه وتشاركه حبه ومملكته. كان على ”الجميلة“ فقط ان تحبه وتثق به وتطيعه وتشاركه في كل شيء وتصبح هي الملكة المُتوجة لمملكته.

لكن هناك ذلك الجبار العاتي ”الماشي بين حجارة النار“ أو ”حامل النور“ وهو لقب يُعد من أعلى وأسمى الألقاب في مملكة ”الحكمة النقية“. كان بمثابة اقرب المقربين من ”الحكمة النقية“ ولكن أطماعه وطموحاته العريضة في المملكة وتَرفُعْ قلبه نقلاه من مكانة الصديق المقرب إلى العدو اللدود، فهو المسئول الأول عن اشاعه الفوضى في المملكة بعدما تمرد على الملك، كان بمقدور ”الحكمة النقية“ إبادته ولكنه أبقى على وجوده برغم كل شيء حسبما اقتضت حكمته. ولكن هذا ”الماشي بين حجارة النار“ يأبى إطاعة الملك وانشق عن المملكة بصحبة زمرة من المتمردين. وذات مرة تساءل واحد من ”العظماء السبعة“: لماذا تبقي عليه يا سيدي الملك وهو يفسد المملكة؟ فكان رد ”الحكمة النقية“ موجزا : وقت الحساب لم يأت بعد.

كانت ”الجميلة“ تدرك مدى الحسد الذي يحمله ”الماشي بين حجارة النار“ في قلبه تجاهها، فقبل كل شيء هو يعلم جيدا مدى حب الملك لها ولهذا كان يتحين الفرصة كي ما ينتزعها منه. وحين أتى ذلك الوقت استطاع ”الماشي بين حجارة النار“ فيه عبر تابعه المُخلص ”الإغواء“ أن يقنعها لتذهب بعيدا عن الملك بعدما ألقى في قلبها أنه من السهولة اقتناء الحكمة النقية لتصبح مثل الملك في كل شيء. وقد انساقت ”الجميلة“ وراء الإغواء بما تحمله من حب وتقدير نحو ”الحكمة النقية“ورغبتها في التشبه به. وهناك كان ينتظرها الجبار”الماشي بين حجارة النار“ الذي بكل قسوة وخبث اختطفها، اذلها، لوثها، ودنسها، وانتزع عنها الثياب الملكية واستعبدها. فلم تعد ابدا كما كانت بيضاء كالشمس طاهرة كالقمر بل اصبحت سوداء، حزينة بعد أن اصبحت اسيرة وفارقتها البهجة والفرح بابتعادها عن ”الحكمة النقية“. بالرغم من كونها سوداء بفعل العبودية ولكنها مازالت ”الجميلة“. فعلى رجاء لقاء حبيبها الملك مرة أخرى كانت تحيا في ترقب منتظر كل ايام عبوديتها لدى ”الماشي بين حجارة النار“. كان تسأل نفسها تُرى متى؟

في رؤئ ضبابية كانت ترى حبيبها ولكن كمن يبصر من خلف حجاب عبر حواجز كثيرة مانعة، ولكن اقساها وأقواها هو ”الماشي بين حجارة النار“… ولكم حاولت الهروب من سجنه ولكن بلا جدوي !! فقد كان يجلدها بسياطه جلدات كثيرة تدمي جسدها وفي كل مره حاولت ”الجميلة“ الهرب ربطها بسلاسل قوية متينة، ما اصعب عليها قطعها!! … كثيرا ما صرخت متألمة من تعذيبه لها، وفي يأس حاولت أن تداوي جراحها وتتنقي من سوادها؟ محاولات عديدة وبدايات جديدة!!!.. كلها انتهت كسابقيها.. وحينما أعياها التعب والألم وأتعبتها العبودية، كانت بأعين ضارعه وصوت خفيض تناجي حبيبها إلى متي تنساني؟.. وبدموع صامته تبلل وجهها ترجوه أن ينقذها..

مر وقت ليس بقليل ظلت فيه ”الجميلة“ اسيرة وهي تذكر كم بكت بحرقة ايام كثيرة عندما اخبرها ”الماشي بين حجارة النار“ في تفاخر أقرب إلى الشماتة ..لا يستطيع احد ان يٌنقذك من يدي، أو يكسر قيود عبوديتك.. ما لم يقدم حياته لتابعي المقرب واقوى حلفائي ”الموت“. وعلى مُنقِذِك إن أرادَك؟ أن يفقد حياته كي ما يحررك، وأكمل ساخرا: ولكن من ذا الذي يخاطر بفقد حياته في سبيل سوداء مثلك دنسة ودميمة؟. لقد أرادها يائسة، خائفة، بلا رجاء في الحرية.

    أرادت ”الجميلة“ أن ترد على كلماته القاسية لكونها تثق في حبيبها ”الحكمة النقية“، أردات أن تُعلن أن ملكها سوف ينقذها ولن يتركها هكذا اسيرة، ولكن اختنقت كلماتها في بكاء. ذات يوم وبكل قسوة صرح لها ”الماشي بين حجارة النار“ بخبر ابكاها وافرحها معاً حبيبك أراد انقاذك وسلم نفسه أسير لجنودي في مقابل حريتك … وقت قليل وسوف ينتهي ولا يعود بعد، سوف يقتنصه ”الموت“ كما فعل مع كثيرين قبله، حياته سوف تُنتزع !!! ولكن أنت الآن حرة!!! فقط تذكري جيدا أيام عبوديتك لي. وفي بكاء جاوبته ”الجميلة“: لن أنسى إني حرة ولن أنسى أيام عبوديتي ولكن دائما وأبدًا سوف اتذكر ثمن حريتي.


ما هي إلا وقد انقضت ساعات قليلة حينما اسودت الشمس وتزلزلت الأرض حزنا على موت الملك بينما "الجميلة" …كانت واقفة في بكاء تنظر من بعيد، وقلبها يدمي في رثاء لموت لحبيبها. وفجأة أشرق نور عظيم بدد الظلام من حولها… وسمعت صوته المألوف لقلبها ينادي باسمها... لماذا تبكين، من تطلبين؟ الآن فقط أصبحت تري حبيبها ”الحكمة النقية“ بلا حواجز أو من خلف ستار … وعندما اقتربت منه وأمسكت به … متسائلة لماذا تأخرت؟ مد إليها يده، وهنا لاحظت ”الجميلة“ هذا النقش الدامي على كفه الذي يحمل اسمها، بينما في اليد الأخرى كان يحمل صك حريتها مختوما بدمه، وعلى جسده اثار جراحات عميقة شابهت جراحها أيام عبوديتها. لكنها الآن لا تشعر بأي ألم بعدما اختفت كل اثار جراحها وعادت اليها فرحتها وبهجتها لعودتها مرة أخرى قرب ”الحكمة النقية“ هنا فقط انتبهت إلى أنها لم تعد سوداء ولكنها بقيت فقط الجميلة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.